نبارك أمرو يكتب : “درعة تافيلالت.. أي ذكاء ترابي لأي تسويق ترابي نريد؟”
نبارك أمرو *
في ظل العزلة التاريخية المفروضة على المجال الترابي لجهة درعة تافيلالت، خاصة مع استمرار غياب البنيات التحتية الكفيلة بربط عمق هذه الجهة الغنية بثراتها الطبيعية والبشرية بباقي عواصم المملكة، من طريق سيار ومن سكة الحديد، لا يزال الارتباك يخيم على أمل ربط الأقاليم الثلاثة التي تتوفر على المطارات، ورزازات زاكورة والرشيدية، من خلال استمرار ” جشع” الشركة الوطنية الوحيدة المحتكرة للنقل الجوي، وعدم وضوح الرؤيا بالنسبة لتدخل باقي الشركات الأجنبية التي تنشط داخل الأجواء الوطنية من قبيل الشركة الايرلندية منخفضة التكلفة التي أوقفت خط الجوي الوحيد ورزازات طنجة قبل أسابيع، فيما لا تزال إحدى الشركات العربية الأخرى تقتصر على جهات أخرى دون درعة تافيلالت..
وفي الوقت الذي تساهم فيه تنقلات مغاربة الخارج في فك العزلة الجوية على هذه الجهة السياحية من خلال رحلات جوية مباشرة من مختلف العواصم العالمية خاصة الأوروبية منها، لا يزال غياب المطار بإقليم تنغير يبعد المسافات بين ورزازات ومختلف مداشر هذا الإقليم الذي تمتد حدودها الجغرافية إلى الجبال الرابطة بين الجهة وأقاليم بني ملال وأزيلال وخنيفرة، إذ تتجاوز المسافة بين مطار ورزازات وبعض جماعات إقليم تنغير أزيد من 200 كلم وسط تضاريس الأطلس الوعرة..
الحديث هنا عن النقل الجوي هنا، ليس امتيازا أو نقلا يهم النخبة من المجتمع فقط، بقدر ما هو المحرك الرئيس للتنمية الحقيقية التي ينبغي أن يؤسس عليها ما يصطلح عليه اليوم بالذكاء الترابي الكفيل بتحسين وتجويد توجيه السياسات العمومية من لدن صانعي القرار، انطلاقا من كون أهم نقط ضعف المجال الترابي لدرعة تافيلالت وما يهدد الفرص التنموية به هو العزلة اللوجيتسية التي لا تزال تقيد قافلة تنميته بالرغم من الأوراش التي توجد حاليا قيد الإنجاز من قبيل المسالك الطرقية التي تهدف إلى تقليص المسافات بين الجهة والجهات المجاورة من قبيل الطريق الرابطة بين بني ملال وتنغير عبر إملشيل وأمسمرير، بالإضافة إلى المسالك العابرة للسلاسل الجبلية الفاصلة بين أقاليم درعة تافيلالت..
بيد أن هذا الذكاء الترابي الذي يؤسس له كل فاعل، أكان ثقافيا أو سياسيا أو إداريا أو إعلاميا، من خلال التحليل وتبادل المعلومات والأفكار واقتراح ووضع مشاريع الاستراتيجية التنموية، خاصة في ظل الثورة الرقمية التي نعيشها اليوم، لا يكفي دون التأسيس من خلاله لمفهوم التسويق الترابي الكفيل تحسين صورة المجال الترابي وتعزيز مكانته التنافسية عبر المساهمة في جلب الاستثمارات وتشجيع الكفاءات على الانخراط في ورش البناء التنموي بإبراز نقط قوة المجال وتميزه الوطني والدولي بغية تحقيق ما يصطلح عليه في قاموس التنمية ب” العلامة الترابية” أو الهوية المميزة” لمجال ترابي معين، وهو ما ينتظر جل أقاليم درعة تافيلالت التي لا تزال تلك الصورة النمطية المبنية على العزلة والتهميس والفقر لصيقة بها بالرغم من تغير مجموعة من المؤشرات الكفيلة، فقط بفك العزلتين البرية والجوية من جعلها مجالا ترابيا تنافسيا على المستويات الاقتصادية والثقافية والبيئية بفضل ثروتها البشرية وغنى ثرواتها وتراثها المادي واللامادي..
وكي لا أطيل، فالجواب على سؤالي الذكاء والتسويق الترابيين، لا يمكن يتم دون انخراط أبناء هذه المناطق أولا إلى جانب كل الفاعلين الإداريين والمنتخبين والقطاع الخاص في التأسيس لمنطق جديد في التعامل من هذه المجالات وخلق فضاءات للنقاش الثقافي والفكري والعلمي بهدف تحسين الجاذبية الاقتصادية والسياحية وتشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية، وتأهيل بنيات الاستقبال السياحي وتجويد الخدمات وعقلنة أسعارها تشجيعا للسياحة الداخلية، التي لا تتأثر بالتغيرات الجيوسياية العالمية، والتي ينبغي أن تكون رهان المستقبل في هذه المناطق المتنوع منتوجها السياحي بين التنوع الثقافي والتراث التاريخي والجغرافي، وهذا لن يتأتى بطبيعة الحال دون تحمل القطاعات الحكومية المعنية كامل مسؤولياتها في دعم وتطوير القطاع وتأهيل المقاولات والموارد البشرية، والانخراط الحقيقي في الترويج والتسويق الاستراتيجي لوجهة درعة تافيلالت السياحية وطنيا وعالميا..
وإذا كانت مدن ورزازات وزاكورة وميدلت تحتضن مناسبات ثقافية وطنية ودولية عبر مدار السنة شأنها في ذلك شأنها إقليم زاكورة الذي يحتضن منذ سنوات مبادرات ثقافية وفنية ورياضية ضمنت على الأقل استمرارها، كما لا تقل المواعيد الثقافية التي تحتضنها الرشيدية، يظل إقليم تنغير، الذي قد يكون الأغني من حيث الذكاء الترابي، أفقر أقاليم درعة تافيلالت من حيث التنشيط الثقافي والتسويق الترابي..
ولعل منتدى المضايق والواحات الذي يستعد الإقليم لاحتضانه بداية ماي القادم سيكون فرصة الخروج من الصمت الذي يخيم على هذا الإقليم الهادئ، إذا نجح المنظمون وشركائهم في قطع “سرة جنين المنتدى بسلام وحمايتها من الالتهاب والاستثمار في احتضانه حتى يتجاوز مرحلتي رفع الراس والمشي، وبالتالي تحقيق نموه السليم”، إذ يراهن المنظمون على التسويق لوجهة تنغير عن طريق الرياضة من خلال الاستثمار في السياحة البيئية والرياضات الجبلية والطبيعية، عبر تنظيم سباقات رياضية في مسارات المضايق والواحات، التي يعتبرها شعار الدورة روافع التنمية الترابية لمستدامة، بحضور أبطال رياضيين عالميين، من بينهم البطل الأولمبي هشام الكروج، في خطوة ترمي اعتماد التسويق عبر المؤثرين لما لهذه المقاربة التواصلية ةمن أهمية في الوصول إلى الجمهور بمختلف فئاته..
والمطلع على برنامج أنشطة منتدى المضايق والواحات لا يمكن إلا أن يقف عند استقطاب كفاءات علمية من مختلف جامعات المملكة للبحث من خلال ” وعيهم الشقي وقلقهم التاريخي” كما يسميه الباحث في سوسيولجيا الهوية الأستاذ سعيد اولعنزي تاشفين، كباحثين عن المقاربات الكفيلة بالمساهمة من الزاوية الأكاديمية في صياغة الهوية الترابية للمنطقة وإبراز غنى خصوصياتها، ومؤشرات الأداء، وأهمية البعد التشاركي لتحقيق التنمية الترابية، في فضاء يساهم فيه الفاعل المحلي عبر النقاش والحوار، الكفيلين بتجاوز مقاومة التغيير، في رسم ملامح المشروع الترابي المستدام، كما يقول المثل الأمازيغي ” أوردا إكرز أكال ن دادس خس إزيارن ن دادس “، وهو ما يمكن أن يعتبر جوابا لسؤال العنوان أعلاه ” أي ذكاء ترابي لأي تسويق ترابي نريد؟.
· إعلامي وباحث في التنمية المستدامة